فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا}.
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال: «مرّ النبي صلى الله عليه وسلم على أبي سفيان وأبي جهل وهما يتحدثان، فلما رآه أبو جهل ضحك وقال لأبي سفيان: هذا نبي بني عبد مناف. فغضب أبو سفيان فقال: ما تنكرون أن يكون لبني عبد مناف نبي. فسمعها النبي صلى الله عليه وسلم فرجع إلى أبي جهل فوقع به وخوّفه وقال: ما أراك منتهيًا حتى يصيبك ما أصاب عمك. وقال لأبي سفيان: أما إنك لم تقل ما قلت إلا حمية» فنزلت هذه الآية {وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوًا} الآية.
{خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)}.
أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر، عن عكرمة قال: لما نفخ في آدم الروح ماد في رأسه فعطس فقال: الحمد لله. فقالت الملائكة: يرحمك الله، فذهب لينهض قبل أن تمور في رجليه فوقع فقال الله: {خلق الإنسان من عجل}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال: أول ما نفخ فيه الروح نفخ في رأسه ثم في ركبتيه، فذهب ليقوم قال: {خلق الإنسان من عجل}.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {خلق الإنسان من عجل} قال: آدم حين خلق بعد كل شيء آخر النهار من يوم خلق الخلق، فلما أجرى الروح في عينيه ولسانه ورأسه ولم يبلغ أسفله، قال: يا رب، استعجل بخلقي قبل غروب الشمس.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: نفخ الرب تبارك وتعالى الروح في نافوخ آدم، فأبصر ولم يعقل حتى إذا بلغ الروح قلبه ونظر فرأى الجنة، فعرف أنه إن قام دخلها ولم يبلغ الروح أسفله فتحرك، فذلك قوله تعالى: {خلق الإنسان من عجل}.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {خلق الإنسان من عجل} قال: خلق عجولًا. والله أعلم.
{لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (39)}.
أخرج البخاري ومسلم عن عدي بن حاتم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما منكم أحد إلا سيكلمه الله يوم القيامة ليس بينه وبينه حجاب يحجبه ولا ترجمان يترجم له، فيقول: ألم أوتك مالًا؟ فيقول: بلى. فيقول: ألم أرسل إليك رسولًا؟ فيقول: بلى. فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار، وينظر عن يساره فلا يرى إلا النار، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار، فليتق أحدكم النار ولو بشق تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيبة». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا}.
قوله: {إِن يَتَّخِذُونَكَ}: {إنْ} هنا نافيةٌ، وهي وما في حَيِّزها جوابُ الشرط بـ: إذا، و{إذا} مخالفةٌ لأدواتِ الشرطِ في ذلك، فإنَّ أدواتِ الشرطِ متى أُجِيبت بـ: أن النافيةِ أو بـ: ما النافيةِ وَجَبَ الإِتيانُ بالفاءِ تقول: إن أَتَيْتَني فإنْ أَهَنْتُك وفما أَهَنْتُك. وتقول: إذا أَتَيْتَني ما أَهَنْتُك بغير فاءٍ يَدُلُّ له قوله تعالى: {وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ} [الجاثية: 25].
و{اتَّخَذَ} هنا متعديةٌ لاثنين. و{هُزُوا} هو الثاني: إمَا على حَذْفِ مضافٍ، وإمَا على الوصفِ بالمصدرِ مبالغةً، وإمَا على وقوعِه مَوْقِعَ اسمِ المفعول.
وفي جواب {إذا} قولان، أحدهما: أنه أن النافيةُ، وقد تقدَّم ذلك. والثاني: أنه محذوفٌ، وهو القولُ الذي قد حكى به الجملةَ الاستفهاميةَ في قوله: {أهذا الذي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} إذ التقديرُ: وإذا رآك الذين كفروا يقولونَ: أهذا الذي. وتكونُ الجملةُ المنفيةُ معترضةً بين الشرطِ وبين جوابهِ المقدَّرِ.
قوله: {وَهُمْ بِذِكْرِ الرحمن هُمْ كَافِرُونَ} هم الأولى مبتدأٌ مخبرٌ عنه بـ: {كافرون}، و{بِذكْر} متعلق بـ الخبرِ. والتقديرُ: وهم كافرون بذِكْر. وهم الثاني تأكيدٌ للأولِ تأكيدًا لفظيًا، فوقع الفصلُ بين العاملِ ومعمولِه بالمؤكِّد، وبين المؤكَّدِ والمؤكِّدِ بالمعمولِ.
وفي هذه الجملةِ قولان، أحدُهما: أنَّه في محلِّ نصبٍ على الحالِ مِنْ فاعلِ القولِ المقدَّرِ أي: يقولون ذلك وهم على هذه الحالةِ. والثاني: أنها حالٌ مِنْ فاعلِ {يَتَّخِذونك}، وإليه نحا الزمخشريُّ، فإنه قال: والجملةُ في موضعِ الحالِ أي: يَتَّخِذُونك هُزُوًا وهم على حالٍ هي أصلُ الهزْءِ والسخريةِ، وهي الكفرُ باللهِ.
{خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)}.
قوله: {مِنْ عَجَلٍ}: فيه قولان، أحدهما: أنه من بابِ القلبِ. والأصلُ: خُلِقَ العَجَلُ من الإِنسانِ لشدةِ صدورِه منه وملازَمتِه له. وإلى هذا ذهب أبو عمروِ. وقد يتأيَّد هذا بقراءةِ عبدِ الله {خُلِقَ العَجَلُ من الإِنسانِ} والقلبُ موجودٌ. قال الشاعر:
حَسَرْتُ كَفِّيْ عن السِّربالِ آخُذُه

يريد: حسرت السِّرْبالَ عن كفي. ومثلُه في الكلامِ: إذا طَلَعَت الشِّعْرى استوى العُوْدُ على الحِرْباء وقالوا: عَرَضْتُ الناقةَ على الحَوْضِ. وقد قَدَّمْتُ منه أمثلةً غيرَ هذه. إلاَّ أن بعضَهم يَخُصُّه بالضرورةِ، وقد قَدَّمْتُ فيه مذاهبَ ثلاثةً.
والثاني: أنه لا قلبَ فيه وفيه تأويلاتٌ، أحسنُها: أن ذلك على المبالغةِ، جَعَلَ ذاتَ الإِنسانِ كأنها خُلِقَتْ من نفسِ العَجَلة، دلالةً على شدةِ اتصاف الإِنسانِ بها، وأنها مادتُه التي أُخِذ منها. ومثلُه في المبالغة من جانب النفي قوله عليه السلام: «لستُ من الدَّدِ، ولا الدد مني» والدَّدُ: اللِّعِبُ. وفيه لغاتٌ: دَدٌ محذوفُ اللامِ وددا مَقْصورًا كـ: عصا ودَدَن بالنون. وألفه في إحدى لغاتِه مجهولةُ الأصل لا ندري: أهي عن ياءٍ أو واوٍ؟.
وقيل: العَجَلُ: الطين بلغة حمير، أنشد أبو عبيدة على ذلك لشاعرٍ منهم:
النَّبْعُ في الصَّخْرةِ الصَّمَاء مَنْبِتُه ** والنَّخْلُ مَنْبِتُه في الماء والعَجَلِ

قال الزمخشري بعد إنشادِه عَجُزَ هذا البيتِ: واللهُ أعلمُ بصحتِه. وهو معذورٌ.
وهذا الجارُّ يحتملُ تَعَلُّقُه بـ: {خُلِقَ} على المجاز أو الحقيقةِ المتقدِّمَيْن، وأَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ كأنه قيل: خُلِق الإِنسانُ عَجِلًا. كذا قال أبو البقاء. والأول أولى.
وقرأ العامَّة: {خُلِق} مبنيًا للمفعول. {الإِنسانُ} مرفوعًا لقيامِه مقامَ الفاعلَ. وقرأ مجاهد وحميد وابن مقسم {خَلَقَ} مبنيًا للفاعل. {الإِنسانَ} نصبًا مفعولًا به.
{وَيَقُولُونَ مَتَى هذا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)}.
قوله: {متى هذا}: {متى} خبرٌ مقدمٌ، فهي في محلِّ رفعٍ. وزعم بعضُ أهلِ الكوفةِ أنها في محلِّ نصبٍ على الظرفِ. والعاملُ فيها فعلٌ مقدرٌ رافعٌ لهذا. والتقديرُ: متى يجيءُ هذا الوعدُ، أو متى يأتي؟ ونحوُه. والأول هو المشهورُ.
{لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (39)}.
قوله: {لَوْ يَعْلَمُ}: جوابُها مقدَّرٌ لأنه أبلغُ في الوعيدِ. فقدَّره الزمخشريُّ: لَما كانوا بتلك الصفةِ من الكفرِ والاستهزاءِ والاستعجالِ، ولَكِن جَهْلَهم به هو الذي هَوَّنه عندهم. وقَدَّره ابنُ عطية: لَما استعجلوا. وقدَّره الحوفي لَسارعوا. وقَدَّره غيرُهم لَعَلِموا صحةَ البعث.
و{حينَ} مفعولٌ به لـ: {عَلِموا} وليس منصوبًا على الظرفِ. أي: لو يَعْلمون وقتَ عدمِ كفِّ النار. وقال الزمخشري: ويجوزُ أَنْ يكونَ {يعلمُ} متروكًا بلا تَعْدِيةٍ بمعنى: لو كان معهم علمٌ ولم يكونوا جاهلين لَما كانوا مستَعْجِلين. و{حينَ} منصوبٌ بمضمرٍ أي: حين لا يَكُفُّون عن وجوهِهم النارَ يعلمونَ أنهم كانوا على الباطلِ، وعلى هذا فـ: {حين} منصوبٌ على الظرفِ لأنه جَعَلَ مفعولَ العلمِ أنَّهم كانوا.
وقال الشيخ: والظاهرُ أنَّ مفعولَ {يعلم} محذوفٌ لدلالة ما قبلَه أي: لو يعلم الذين كفروا مجيْءَ الموعودِ الذي سَألوا عنه واسْتَنْبطوه. و{حين} منصوبٌ بالمفعولِ الذي هو مجيءَ. ويجوزُ أَنْ يكونَ من بابِ الإِعمالِ على حَذْفِ مضافٍ، وأعملَ الثاني. والمعنى: لو يعلمون مباشرةَ النارِ حين لا يَكُفُّونها عن وجوهِهم.
{بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (40)}.
قوله: {بَغْتَةً}: في موضعِ نصبٍ على الحالِ أي مباغتةً. والضميرُ في {تَأْتيهم} يعودُ على النار. وقيل: يعودُ على الحين لأنه في معنى الساعة. وقيل: على الساعةِ التي يُصَيِّرهم فيها إلى العذابِ. وقيل: على الوعد؛ لأنَّه في معنى النار التي وُعِدُوها، قاله الزمخشري وفيه تكلُّفٌ.
وقرأ الأعمش: {بل يَأْتيهم} بياء الغَيْبة. {بَغَتة} بفتح الغين. {فيَبْهَتُهُمْ} بالياء أيضًا. فأمَا الياءُ فَأعاد الضميرَ على الحين أو على الوعد. وقال بعضُهم: هو عائدٌ على النار، وإنما ذكَّر ضميرها لأنها في معنى العذاب، ثم راعى لفظ النار فأنَّثَ في قوله: {رَدَّها}.
وقوله: {بَلْ تَأْتِيهِم} إضرابُ انتقالٍ. وقال ابن عطية: {بل} استدراكٌ مقدرٌ قبلَه نفيٌ، تقديرُه: إنَّ الآياتِ لا تأتي على حَسَب اقتراحهم. وفيه نظرٌ؛ لأنه يَصيرُ التقديرُ: لا تأْتيهم الآياتُ على حسبِ اقتراحِهم، بل تأتيهم بغتةً، فيكون الظاهرُ أن الآياتِ تأتي بغتةً، وليس ذلك مُرادًا قطعًا. وإنْ أراد أن يكونَ التقديرُ: بل تَأتيهم الساعةُ أو النارُ فليس مطابقًا لقاعدةِ الإِضراب. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهذا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ} [الأنبياء: 36]، وفي سورة الفرقان: {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهذا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا} [الفرقان: 41- 42]، هنا سؤالان: أحدهما ظهور الفاعل في الآية الأولى وإضماره في الثانية، والثاني ما وجه تعقيب الآية الثانية بما أعقبت به؟
والجواب عن الأول، والله أعلم: أن الكفار المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتقدم قبل آية الأنبياء أو فيما يليها من آي السورة أو يقرب منها خطاب يعنيهم ويخصهم من غيرهم، إنما تقدم قبلها قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرض كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء: 30]، وهذا يتناول كل كافر ملف ذي عقل كان من العرب أو من غيرهم معاصر أو غير معاصر، ثم لم يقع بعد هذه الآية ما يعارض عمومها، فلهذا تعين إظهار الفاعل في قوله: {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنبياء: 36] إذ قيل: وإذا رأوك، لما كان يمكن رجوعه إلا للمذكورين قبل في قوله: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنبياء: 30]، وليس خاصًا بالمعاصرين، فلم يكن ليناسب.
أما آية الفرقان فإن قبلها قوله تعالى: {لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} [الفرقان: 32]، والمنزل عليه القرآن معلوم صلى الله عليه وسلم، فالقائلون معاصرون وهم الذين عنوا على القطع بقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً}، فلما تقدم ذكرهم غير متناول غيرهم، وعنوا بالذكر، واحتيج بعد إلى الإخبار عنهم، أتى بضميرهم، إذ هو أوجز وقد علم، فقيل: {وَإِذَا رَآكَ}، ولم يكن الإضمار ليناسب في آية الأنبياء، ولم يمكن الإظهار هنا، فورد كل على ما يجب ويناسب، والله أعلم.
والجواب عن السؤال الثاني: أنه لما تقدم في سورة الأنبياء قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأرض هُمْ يُنْشِرُونَ} [الأنبياء: 21]، وقوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]، وقوله: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} [الأنبياء: 24]، فتكرر ذكر مرتكبهم في اتخاذهم معبوادات لا تغني عنهم، ناسبه قولهم: {أَهذا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} [الأنبياء: 36].
أما آية الفرقان فقد تقدمها قوله: {مَالِ هذا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان: 7]، فأنكروا كون الرسول من البشر، فجرى مع ذلك وناسبه قولهم: {أَهذا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} [الفرقان: 41] تعجبًا واستبعادًا أن يكون الرسل من البشر، وقد رد ذلك عليهم بقوله: {وما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان: 20]، فوضح التناسب فيها، والله أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهذا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36)}.
لو شهدوا بما هو به نم أوصاف التخصيص وما رقَّاه إليه من المنزلة لظلوا له خاضعين، ولَكِنهم حُجِبُوا عن معانية وسريرته، وعاينوا منه جسمه وصورته.
{خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)}.
العَجلَةُ مذمومةٌ والمُسَارَعَةُ محمودةٌ؛ فالمسارعة البِدارُ إلى الشيء في أول وقته، والعَجَلَةُ استقباله قبل وقته، والعجلةُ نتيجةُ وسوسة الشيطان، والمسارعةُ قضية التوفيق.
{وَيَقُولُونَ مَتَى هذا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)}.
اعتادوا تكذيب الأنبياء عليهم السلام فيما وعدوهم، فاستعجلوا حصولَ ما توعدوهم به. ولو علموا ما ينالهم لكان السكونُ منهم، فالفَزَعُ يَدُلُّ على استعجالهم.
{لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (39)}.
لأمسكوا اليوم عن الانخراط في عذاب الظنون، والاغترار بمواعيد الشيطان.
{بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (40)}.
العقوبة إذا أتت فجأةً كانت أنكى وأشد وسُنَّةُ الله في الانتقام أن يُثِيرَ ريحَ البغتةِ في حال الانغماس في النِّعْمة والمِنَّةِ. اهـ.